الناصرة- "القدس العربي":
هل تقرّب الحرب على إيران نهاية الحرب على غزة وصفقة تبادل مع حماس؟ سؤال يشغل الكثيرين في مناطق مختلفة، وحياله هناك مواقف وترجيحات إسرائيلية متباينة. في نطاق خطابه التلخيصي للحرب على إيران تطرّق رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو لموضوع الحرب على غزة بزعمه: "لم نتوقف ولو لحظة عن مساعي استعادة المخطوفين أحياء وموتى وسنواصل حتى إعادتهم وتحقيق أهداف الحرب".
ردا على هذا السؤال تنقل صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مصدر إسرائيلي كبير قوله إن ترامب يريد رؤية الحرب في غزة تنتهي. وتطرّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الأربعاء للموضوع وقال إن هناك تقدّما كبيرا يتحقق في ما يتعلق بإنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة. في مؤتمر صحافي من لاهاي قال ترامب إن مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف أبلغه بأن وقف إطلاق النار في غزة بات وشيكا جدا، مرجحا أن مرد ذلك هو الهجوم الذي نفّذناه في إيران".
كما نقلت "يديعوت أحرونوت" عن المصدر المذكور قوله إنه في إسرائيل أيضا معنيون بذلك مثلما تنقل عن وزير من الليكود قوله "لو كنت مكان نتنياهو لأنهيت الحدث في غزة وأعلنت عن انتخابات عامة".
في المقابل قال وزير المالية المستوطن المتشدد سموتريتش للإذاعة العبرية إنه بعد إنهاء الحرب على إيران ينبغي مواصلة وتصعيد الحرب على غزة حتى تدمير حماس. سموتريتش الذي تتنبأ له كافة استطلاعات الرأي بالسقوط في كل جولة انتخابات عامة مقبلة قال إن مهمة تحقيق النصر المطلق في غزة تستغرق شهرين، وسبقه بذات الموقف وزير الأمن القومي بن غفير. وترى أوساط إسرائيلية أن نتنياهو بعد قراره التاريخي بشنّ حرب على إيران بات قادرا على التحرّر من ضغوط سموتريتش وبن غفير وقادرا على اتخاذ قرار بإنهاء الحرب المكلفة في غزة.
"عصفور باليد"
في المقابل استبعد مصدر إسرائيلي في حديث للصحيفة "هآرتس" أمس أن يثمر الهجوم الإسرائيلي الأمريكي على إيران عن تقدم في المفاوضات مع حماس لإعادة المخطوفين وإنهاء الحرب. وقال إن الرد الذي أرسلته إسرائيل في الفترة الأخيرة، الذي ذكره نتنياهو مرتين في المؤتمرات الصحافية مؤخراً، لا تغيير فيه بشأن مواقفها المبدئية، باستثناء مرونة لخطة إطلاق سراح المخطوفين.
وهناك مصادر إسرائيلية ترجح أن نتنياهو يعطي الأولوية للبقاء في سدة الحكم بشكل مضمون ولذا فهو يفضل "عصفورا باليد" بدلا من الذهاب لانتخابات مبكرة تقتضي وقف الحرب على غزة أولا. ودعا المعلق السياسي بن كاسبيت في مقال نشرته صحيفة "معاريف" نتنياهو للاقتداء بترامب: "إذا كان ترامب قادرا على معاندة جمهوره الرافض بمعظمه للمشاركة في الحرب على إيران فأنت يا نتنياهو تستطيع فعلها وتنهي الحرب في غزة وإتمام تبادل الأسرى".
بالتأكيد يبقى ترامب صاحب قرار حاسم في وقف حرب الإبادة في غزة فقد ظهر نفوذه أمس بفرض وقف النار على إسرائيل وإيران وتحدثه بالعلن عنهما وحال دون ضربة أخيرة في طهران استعد كاتس وبن غفير للاحتفاء بها.
لا شك أن قرار نتنياهو بوقف الحرب مرتبط بجملة حسابات أخرى تخلط بين الأمن القومي وبين الحسابات الأصغر، حسابات السياسة والبقاء في الحكم وهي متأثرة بموقف ترامب وبموقف الإسرائيليين من استمرار خسائر موجعة للجيش الاحتلال في غزة كما حصل في خان يونس أمس. إن استمرار مثل هذه العمليات سيدفع نتنياهو لوقف النزيف ووقف الحرب خشية أن تستنزف مكاسبه في الحرب على إيران الذي نمّ عن قرار يجمع عليه الإسرائيليون ويعتبرونه تاريخيا ويشكرونه عليه.
كذلك ربما يشارك شركاء نتنياهو من الحريديم في حسم الموضوع لا سيما وأنهم يرغبون بوقف الحرب على غزة كونها قد أربكتهم وفتحت الباب للتحريض عليهم نظرا لمواصلة تمسكّهم برفض الخدمة العسكرية رغم تورّط إسرائيل في حرب هي الأطول في تاريخها. في الكنيست اليوم عبّر عن هذه الرغبة رئيس كتلة حزب "يهودت هتوراة" رئيس لجنة المالية البرلمانية موشيه غفني بقوله إنه لا يفهم "على ماذا نواصل القتال في غزة حيث يقتل جنود كل الوقت". ووجّه غفني انتقادات قاسية لنتنياهو رغم أنه شريك أساس في الائتلاف الحاكم: "هناك حاجة لرئيس كترامب ليأتي ويقول: سنعيد المخطوفين ونوقف الحرب". وتبعه نائب من حزب اليهود الحريديم الشرقيين للتصريح بأقوال مشابهة ضد استمرار الحرب.
وسارعت عائلات المحتجزين في غزة لمباركة غفني على موقفه وقالت في بيانها إن الحرب على غزة استنفدت وتجري دون هدف واضح، وفي المقابل أدان مدير عام كتلة "الصهيونية الدينية" في الكنيست تصريحات غفني فقال إن "شخصا واحدا يستطيع الحديث بهذه البلاد وهو من لا يبعث أولاده للحرب".
وتبدو عملية إنهاء الحرب على غزة الآن منطقية من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي خاصة أن النزيف يجبي أثمانا باهظة وهناك رغبة محتملة لدى نتنياهو بالاحتفاظ بصورته المتحسنّة بعيون الإسرائيليين الراغبين في أغلبيتهم الساحقة بوقف النزيف والحرب وبدء عملية استشفاء داخلية.
والأهم من حسابات نتنياهو هو أن ترامب الذي أدلى بتصريحات إيجابية لم تترجم لأفعال، ربما يدفع بشكل حقيقي هذه المرة طمعا بإطلاق قطار التطبيع لا سيما بعد السعودية وسط استثمار مشاركة الولايات المتحدة في الحرب على إيران بعد تعزيز هيبتها وقوة ردعها ودورها، وربما هناك تفاهمات خلف الكواليس قد جرت وتجري منذ بدء مداولات وقف النار بين إسرائيل وإيران.
0 Comments