الناصرة- “القدس العربي”:
تكشف صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في ملحقها الأسبوعي اليوم ضمن تحقيق جديد بعنوان “الفوضويون الجدد” عن وجود عصابة مستوطنين خطيرة داخل حركة “شباب التلال” لا تكتفي بالاعتداء على الفلسطينيين فحسب وباتت تعتدي على جنود الاحتلال وعلى المستوطنين أنفسهم وهؤلاء يطلقون عليها صفة “برابرة التلال”.
ويقول التحقيق الصحافي العبري إن هؤلاء المستوطنين الشباب غيبيون، عنيفون جدا ويمارسون ترهيبا على الفلسطينيين واليهود على حد سوا وباتوا يقلقون سلطات الأمن التابعة للاحتلال. ويبدو أن هذا التوحش هو انعكاس للتوحش الذي تفجر خلال حرب الإبادة على غزة وهي باتت تعود اليوم كيدا مرتدا على من قادها وأيدها مثلما كان الفيلسوف اليهودي الراحل يشعياهو لايفوفيتش يحذر بقوله إن الاحتلال مفسدة وسيطبق اليهود ما يطبقونه ضد الفلسطينيين على أنفسهم في نهاية المطاف.
وطبقا لهذا التحقيق الواسع يجري الحديث عن ظهور ونمو عصابة جديدة داخل حركة “شبيبة التلال” الإرهابية، منذ عامين وتتميز بكونها “منغلقة وعنيفة جدا ينتسب لها عشرات من الشباب المعادين للصهيونية وتتبنى أيديولوجية “نعم لشعب إسرائيل، لا لدولة إسرائيل”.
وتحمل الصحيفة جهات إسرائيلية رسمية، مدنية وعسكرية، مسؤولية نمو هذا الغول البشري المتوحش لدى المستوطنين وتقول إن من سكت على هجمات “برابرة التلال” الموجهة ضد الفلسطينيين ولم يرد بقوة وصرامة عندما استهدفوا الجنود ورجال الشرطة، يكتشف الآن أن نارهم قد وصلت المستوطنين أيضا.
ومن جملة ما ترويه “يديعوت أحرونوت” عن “البرابرة المستوطنين” قصة جندي مستوطن يقيم في بؤرة استيطانية قد عاد لبيته في مساء أحد الأيام خلال شهر أغسطس الفائت ليكتشف أن سيارته قد احترقت بجوار بيته فيما كانت زوجته وابنه نائمين، وتبين أن “هؤلاء البرابرة هم من أشعلوا النار فيها بعد أيام من اعتداء آخر عليه لاتهامه أنه يطبق تعليمات جيش الاحتلال فكان حرق مركبته عقابا على تجرؤه الاصطفاف لجانب القانون وهو ما زال يخشى المزيد من اعتداءاتهم”.
كما تروي الصحيفة العبرية عن مواطن إسرائيلي وصل لمنطقة قريبة من مستوطنة “كوخاف هشاحر” وهي منطقة سيطر عليها “هؤلاء البرابرة الذين سرعان ما انقضوا عليه وهم مقنعون وعراة في الجزء العلوي من أجسادهم، وحطموا سيارته بالحجارة الكبيرة رغم توسلاته لهم فواصلوا تحطيمها وإتلاف دواليبها قبل الفرار من المكان دون أن يقولوا كلمة واحدة”.
وتقول الصحيفة العبرية إن مستوطني “كوخاف هشاحر” احتجوا على الفوضى وشرعت شرطة الاحتلال بالتحقيق وتم إبعاد الشباب الفوضويين المعتدين لكن هذه العدوى لا يمكن معالجتها بمسكنات. وتضيف “لم تعتقل الشرطة أحدا وبعد أيام تعرض مستوطن من ذات المستوطنة لضرب مبرح من برابرة التلال رغم أنه ناشط في “شبيبة التلال”.
الكنس تحت السجادة
كيف وصلنا إلى حد أن يتم الاعتداء على يهود يدعمون “شبيبة التلال”؟ ردا على هذا السؤال تنقل الصحيفة عن مستوطن من مستوطنة “كوخاف هشاحر” قوله إن أي بؤرة استيطانية لا يمكن أن تقوم دون وجود ظهر داعم من جهة الجمهور المحيط الذي يسمح بشق الشوارع، الربط بشبكة الكهرباء والماء ويرتب موضوع الطعام والشراب لشبيبة التلال، ويتابع “يجند هؤلاء البرابرة الكثير من المال من الجمهور والآن على المشروع الاستيطاني أن يضع خطا أحمر لأن هذا سيقودنا لمكان خطير”.
وماذا تغير في العامين الأخيرين؟ على هذا السؤال يجيب المستوطن المذكور محجوب الهوية بالقول إن “نجاحات هذه المجموعة خلال العامين الأخيرين منحتها شعورا بأنهم أسياد المكان وفوق القانون ولا شك أن هناك حركة الفوضى الاستيطانية تقدمت في العامين الأخيرين وهذا قاد لتشكل ثلة شباب متطرفين جدا، ومشكلة “حركة شبيبة التلال” وكل حركة الاستيطان هي الكنس تحت السجادة”.
ويمضي هذا المستوطن محذرا: "فليكن واضحا أن من يعتدي على جنود ورجال شرطة باسم العقيدة يقود لحالة فوضى تطال المستوطنين أيضا والآن بلغ السيل الزبى وينبغي أن يقوم الحاخامات ورؤساء الاستيطان بالخروج عن صمتهم وتحمل مسؤولياتهم ووقف هذا الجنون”.
وتقول الصحيفة العبرية إنها علمت بوجود اتصالات جارية هذه الأيام بين جيش الاحتلال وبين “الشاباك” والشرطة بغية توحيد الجهود لمواجهة الظاهرة، منوهة لوجود جدل عما إذا ينبغي تعريف حرق هؤلاء للمركبات كعمل إرهابي طالما أنه لا يوجد مصابون.
وتنقل الصحيفة عن مصدر أمني شكواه عن وجود نفاق في متابعة هذه المسألة بقوله إن هناك جهات إسرائيلية طالبت الجيش بضرب من يلقي بالحجارة وعندما يطلق النار عليهم يشكو المستوطنون من رد الجنود ويتهمونه بالضغط السريع على زناد النار. ويقول رئيس مجلس الاستيطان “غوش عتسيون” للصحيفة يارون روزنطال إنه رفض دعوات له بعدم التطرق للظاهرة لكنه “قرر توجيه الانتقادات بوضوح ضد المعتدين على القانون وعدم الإصغاء لجهات من المستوطنين يرسلون له الرسائل يدعون فيها أن الجيش يساري أكثر من اللازم وأنه يطلق النار على أولاد”.
إسرائيل تنهار من الداخل
يشار إلى أن رئيس حكومة الاحتلال ووزير أمنها وقائد جيشها سابقا إيهود براك قد حذر في مقال تنشره صحيفة “هآرتس” اليوم من انهيار إسرائيل بفعل أفعال متطرفة من قبل إسرائيليين أنفسهم. ويقول براك في مقاله بعنوان “نحن بحالة حرجة، علينا وقف الخراب فورا” إن الحديث لا يدور عن تنافس أو صراع بين يمين ويسار صهيونيين، أو بين أنصار نتنياهو وبين مناوئيه أو بين إسرائيل الجديدة وبين إسرائيل القديمة بل هو الصراع على هوية وروح الدولة، بين من يريدها البقاء دولة صهيونية يهودية ديموقراطية محاطة بجدار حديد تتصرف وفق “ميثاق الاستقلال” وبين من يريدها دولة دينية ظلامية غيبية دكتاتورية فاسدة مما يعني خرابها وانهيار الصهيونية.
يستهل براك مقاله بالقول: "قبالة عيوننا تنهار إسرائيل الحرة التي عرفناها. ويقتبس براك الأديب الإسرائيلي الراحل الرافض للاحتلال والداعي لتسوية الدولتين ديفد غروسمان “إن الحديث يدور الآن عن خيار بين حالة مرضية معتلة وبين تصحيح كبير واستشفاء”، ويتابع “الدعوات للوحدة وتضميد الجراح مزيفة ودون قيمة عندما تأتي على أفواه المسؤولين عن حالة التصدع والانقسام وعن مذبحة السابع من أكتوبر ممن كانوا يعتبرون حركة “حماس” ذخرا استراتيجيا للرهان على انقسام الفلسطيني بين غزة ورام الله بغية استبعاد تسوية الدولتين. هؤلاء هم أنفسهم الذين يعملون لإحياء الانقلاب القضائي بقوة أكبر”.
0 Comments